كتاب عن تأسيس وتطور الحركة التشكيلية منذ الأربعينات
صدر في السعودية كتاب بعنوان «مسيرة الفن التشكيلي السعودي» تأليف الفنان التشكيلي عبد الرحمن السليمان.
يهتم الكتاب بالأبعاد التاريخية وأبرز المراحل والمدارس والأسماء ومساهمات القطاعات المختلفة في تأسيس الحركة الفنية السعودية منذ ما يزيد على أربعين عاماً.
ويؤكد المؤلف أن لتدريس مادة التربية الفنية في مدارس السعودية دوراً في اكتشاف المواهب الفنية الشابة مبكراً، ولاعتبار وزارة المعارف التربية الفنية أحد مداخل علم التربية لتكوين الشخصية المتزنة جسمياً وفنياً وعقلياً ووجدانياً، كان تقريرها كمادة في صلب الخطة الدراسية.
فمنذ أواخر الخمسينات ابتعث أحمد دشاش وجميل مرزا للدراسة في مصر فعادا حاملين ليسانس فنون وتربية، وتبعهم احمد صالح شرف وعبد الحليم رضوي، وكان ابتعاثهما نواة لمشروع الابتعاث للخارج الذي تواصل بعد ذلك. وتأسس معهد التربية الفنية للمعلمين بالرياض عام 1385 هـ وفيه درس الطلاب مواد تخصصية للمعهد بينها الرسم والتصوير والتصميم والزخرفة والخزف وأعمال الصلصال وأعمال النجارة، وخرّج المعهد أولى دفعاته في عام 1968 ودرس فيه عدد من الفنانين السعوديين منهم بكر شيخون، وعلي الرزيزاء، ومحمد الرصيص، وعلي ناجع، وعبد الحميد البقشي، واغلق المعهد ابوابه عام 1990.
وفي نهاية الستينات أنشئ في جدة مركز الفنون باشراف الدكتور وعبد الحليم رضوي ليسهم في تنظيم بعض المعارض بينها المعرض الجماعي للفنانين التشكيليين السعوديين وأقيم في جامعة الملك عبد العزيز الأهلية، ومعرض مشترك بين فنانين سعوديين وايطاليين.
ويعتبر الفنان عبد الحليم رضوي صاحب أول معرض فردي يقام في السعودية بعد عودته من دراسته الفنية بايطاليا وأتبعه بمعارض في الرياض والظهران، وبعد عام اقام الفنان عبد العزيز الحماد معرضه الأول في الدمام، وفي العام ذاته اقام الفنان محمد السليم أول معارضه الفنية في الرياض.
وفي عام 1970 قدمت الفنانة صفية بن زقر معرضها الفردي الأول في دار الحنان بعد أن قدمت معرضاً مشتركاً مع الفنانة منيرة موصلي. ونظم الفنان مشعل السديري معرضاً فردياً، وشهدت الساحة في نفس العام معرضاً جماعياً كبيراً لفناني وأندية السعودية في الرياض. ويقسم المؤلف الفنانين السعوديين إلى أربعة أجيال ويبدأ الأول بالفنان عبد الحليم رضوي الذي أقام أول المعارض الفردية في الستينات، وشهدت تلك الفترة معارض للفنانين عبد الرشيد سلطان، وعبد العزيز الحماد، ومحمد السليم.
وواجه جيل الستينات صعوبات عديدة تجاوزها بالإصرار والتحدي وبعد النظر، ويمكن الإشارة إلى السخرية والهلوسة الفنية التي وصف بها الفنان عبد الحليم رضوي عندما أقام أول معارضه بمدينة جدة ولم يحضره سوى شخصين، وإلى معرض الفنان عبد العزيز الحماد الذي لم يحضره أحد فمزق لوحاته، لكنه أصر على المواصلة فأقام ثلاثة معارض لاحقة.
وينتمي الجيل الثاني لمرحلة السبعينات وفيها برزت مشاركته الفردية والجماعية مع انتظام المعارض داخل البلاد وخارجها، وكان لوجود عدة قنوات رعت نشاطهم وشجعتهم بالإقتناء والترشيح للعرض خارج البلاد أثره في زيادة أعدادهم، وتواصل مشاركاتهم، ومع هذا الجيل برز الشكل الجديد من البحث في المعطيات الحضارية والتراثية للسعودية على قاعدة من المعرفة الفنية والأكاديمية، ومن فنانيه يوسف جاها، وعبد الله حماس، وعبد الرحمن السليمان، وبدرية الناصر.
أما الجيل الثالث فهو جيل الثمانينات الذي واصل نتاجاته الفنية بحماس من سبقه واندفاعه وتطلعه لآفاق جديدة تفتحت لدى البعض في سياق علاقة متقاربة مع الجيل الثاني، ومن فناني هذا الجيل خالد الأمير، واعتدال عطيوي.
ويعد جيل التسعينات الجيل الرابع وهو أكثر تمرداً على ما هو منجز في بعض نماذجه، ساعياً إلى مزيد من التجاوز ومحاولاً تأكيد شخصيته المستقلة، وينتمي إليه حميدة السنان، وشادية عالم، ورضية برقاوي. ويشير المؤلف الى الدور الذي أدته الرئاسة العامة لرعاية الشباب منذ إنشائها عام 1974 لتكون حدثاً هاماً يعنى برعاية فئة كبيرة من السعوديين بعد أن كانت رعاية القطاع العام من الشباب تعود لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية. ومن ذلك الحين أخذت حركة الفن التشكيلي شكلاً جديداً ومنتظماً فازداد عدد المعارض وأعداد الفنانين.
وتضع الرئاسة العامة لرعاية الشباب الخطط السنوية الخمسية لأنشطة الفنون التشكيلية، فنظمت المعارض الفردية والجماعية للفنانين السعوديين في الخارج وللفنانين العرب داخل السعودية. وإلى جانب الرئاسة العامة لرعاية الشباب تقف مؤسسات رسمية أخرى تهدف ضمن معطياتها إلى خدمة الفن التشكيلي، مثل الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بفروعها التسعة داخل السعودية، والحرس الوطني الذي ينظم سنوياً مهرجان الجنادرية، وأمانات المدن، وقرية المفتاحة في مدينة أبها والخطوط الجوية السعودية.
ويخصص المؤلف جزءاً يتحدث فيه عن الدور الذي حققته التجمعات الفنية والمراسم المنتشرة في السعودية مثل جماعة فناني المدينة المنورة، ودرب النجا، وعشتاروت، ومراسم قرية المفتاحة. ويرى الكاتب في تنوع الحياة الاجتماعية والطبيعية سبباً واضحاً في تنوع المدارس الفنية حيث رسم الفنانون طبيعة مناطقهم أو مدنهم، مسترجعين تارة الذاكرة، أو مستفيدين من امكانات تساعدهم على توثيق، أو تسجيل مشهد ما.
وتعتبر الفنانة صفية بن زقر من أوائل من اجتذبتهم الحياة الاجتماعية ومظاهرها التقليدية، وتشترك معها فوزية عبد اللطيف، ومحمد الصندل ومنصور كردي.
ويشير الكتاب إلى تأثر بعض الفنانين السعوديين بالاتجاه الخيالي والرمزي حيث ظهر ذلك في أعمال عدد من الفنانين منذ السبعينات وبرز بشكل لافت في أعمال فنانين منهم عبد الحميد البقشي، وخليل حسن خليل، وفهد الربيق، وعبد العظيم شلي، وسامي الحسين، وفنانات مثل حميدة السنان التي تنبعث لوحاتها من قلق وشحن عاطفي يتجه إلى التاريخي والاجتماعي.
ويعترف الباحث بالدور الذي لعبته جائزة الفن التطبيقي والمجسمات وأثرها في تحفيز الفنانين وتشجيعهم على ممارسة فنون النحت والخزف والمجسمات، فقدم الفنانون أعمالهم النحتية مبكراً في معارض الرئاسة العامة لرعاية الشباب وحضرت في المعارض الداخلية والخارجية وانتشرت في ميادين بعض المدن، ويبدو حرص الفنانين على تنوع المواد المستخدمة في أعمال التجسيم والنحت، ففي اللحظة التي يهتم فيها الفنان بكر شيخون بخامة الرخام الصناعي والنحاس، يهتم الفنان كمال المعلم باستخدام الخشب والقطع الزخرفية القديمة، ويهتم سعد المسعري بالتشكيلات الخزفية المستوحاة من الفن المعماري.
الكتاب يقع في 300 صفحة من القطع الكبير، وهو صادر عن الشؤون الثقافية بالرئاسة العامة لرعاية الشباب
منقول للفائدة
Bookmarks